❖ وطني أولاً، هل أصبحت الوطنية تهمة؟

📅 10 يوليو 2025

في كل مرة يُعلن فيها أحدهم أن قضيته الأولى هي وطنه، تنهال عليه الاتهامات: “مُطبّع”، “خائن”، “أناني”، وكأن حب الوطن والسعي لبنائه أصبح جريمة لا تُغتفر في زمن الشعارات الرنانة.

أكثر من يزايدون على غيرهم في هذا السياق، يعيشون في بلدان مستقرة، بعيدة عن أجواء الحروب والانهيارات، ينعمون بالأمان، وبخدمات التعليم والصحة والرواتب، ثم يطالبون شعوبًا أنهكتها الصراعات أن تُنكر أوطانها وتُضحي بها لأجل “قضايا الأمة”، وعلى رأسها قضية فلسطين.

بل ويعتبرون أن من لا يضع فلسطين على رأس أولوياته، حتى على حساب بلده المدمَّر، فهو خائن أو متخاذل. لكن هل حقًا نصروا فلسطين؟

كل ما فعلوه (شعوبًا وساسة) لم يتجاوز حدود الشعارات، وجهادهم لنصرة فلسطين، لم يتخطى لوحة المفاتيح.

عبارات مثل: “نريد تحرير فلسطين”، “افتحوا لنا الحدود”، “القدس لنا”، لم تتجاوز حناجرهم.

هي شعارات تُطلق لتخدير الشعوب لا أكثر، والشعوب المخدّرة تصفق دائمًا طالما أن اسم فلسطين موجود.

والأغرب، أن نفس من يصرخون: “افتحوا لنا الحدود”، يعلمون جيدًا أنهم قادرون على الوصول لأي دولة في العالم، سواء بالطرق النظامية أو عبر التهريب.

هم أنفسهم يسافرون لحضور مؤتمرات ومناسبات وفعاليات، ويجولون العواصم بحرية، فلماذا يصبح دخول فلسطين بالذات متوقفًا على“فتح الحدود”؟

الجواب واضح: لأن فتح الحدود ليس سوى “مسرحية خطابية”، تُقال لكسب الشعبية والتأييد، لا أكثر.

وإذا أردنا أن نتحدث بوضوح، فخذ مثالًا صارخًا:

إيران، التي بقيت14 سنة على حدود إسرائيل من جهة سورية، لم تُطلق رصاصة واحدة باتجاهها، بل وجهت كل نيرانها وآلة قتلها إلى صدور السوريين، دفاعًا عن مشروعها وعن الساقط الفار.

لم يكن العدو بالنسبة لها هو“الاحتلال” بل الشعب السوري الثائر.

وعندما انهزمت من سورية، فجأة تحوّلت بوصلة شعاراتها من جديد نحو فلسطين و”تحرير القدس” .

وها قد مرت ما يقارب سنتين وأهل غزة يُبادون بكل أنواع الأسلحة، دون أن نرى منها أو من أتباعها ومن يزايدون علينا من أبناء جلدتنا شيئًا حقيقيًا، سوى الشعارات الفارغة والبيانات الإنشائية التي أكل عليها الزمان وشرب.

والأدهى من ذلك، أن نفس هؤلاء الذين ينعمون بالأمن والاستقرار في بلدانهم، لو قلت لأحدهم: اطلب من جيشك أن يدخل حربًا مع إسرائيل نصرة لفلسطين، سيرفض فورًا، ويقول لك: الله يحمي بلدنا من الفتن، أو لا نريد توريط جيشنا في معارك خاسرة.

طيب أين شعاراتك التي صدّعت رؤوسنا بها؟

أين صيحات: الموت لإسرائيل، مهلًا مهلًا يا يهود جيش محمد سوف يعود؟ أين ادّعاءات استعادة الأقصى؟

تُطالب الدول المنهكة التي خرجت من حروب دامية ضد أقذر مجرم عرفته البشر ويفوق باجرامه الصهاينة وغيرهم، أن تواجه كيانًا يمتلك أحدث الأسلحة، بينما أنت ترفض حتى التفكير بدخول معركة معه، "حتى لو قصفك أو هددك" خوفًا على استقرارك!

أي نفاق هذا؟ أن تطلب من غيرك أن يُحارب وأنت تنعم في الظل وتُنظّر عليهم بالمثاليات الزائفة؟

الأغرب من كل ذلك، أنهم إذا أطلقت جهة ما، صواريخ أو مسيّرات باتجاه إسرائيل، وقررت "دولة حدودية" أن تُسقِط بعضها دفاعًا عن أجوائها وشعبها "لأن تلك المسيّرات ليست دقيقة وقد تسقط داخل أراضيها وتتسبب بكارثة"يبدأ هؤلاء بشنّ حملات التخوين ضد تلك الدولة!

يتجاهلون حقها المشروع في حماية أمنها الداخلي، ويتعاملون وكأن شعوب الدول الأخرى مجرد وقود أو دروع بشرية في معارك لا يملكون قرارها.

ينادون بنصرة فلسطين، ثم يهاجمون كل من لا يسمح بتحويل بلده إلى ساحة فوضى.

حتى الدفاع عن النفس أصبح بنظرهم خيانة، إن لم يكن على طريقتهم وبشروطهم.

أما الأنظمة: فقصتها أعمق، لم نرَ من أنظمتهم لا جيوشًا تحركت، ولا دعمًا حقيقيًا، فقط خطابات حماسية تُستخدم كورقة ضغط سياسية وقت الحاجة، وربما ورقة “تمديد فترة رئاسية” حين يَخفت البريق، فيعيدون إشعال الحماسة بكلمة “فلسطين” وكأنها تعويذة انتخابية لا أكثر.

وفي المقابل، الشعوب التي يُزايدون عليها، هي ذاتها التي تسعى لإعادة إعمار بلدانها الخارجة من جحيم الحروب، شعوب تحاول ترميم مدارسها ومشافيها واقتصادها، وتسير وسط الركام نحو الحياة، فهل يُعقل أن نطلب منها أن تترك ذلك كلّه، لتتفرغ فقط للقضايا الكبرى؟

قولك “بلدي أولاً” لا يعني أنك ضد فلسطين أو غيرها من القضايا العادلة، بل يعني ببساطة: أنك لن تنقذ غيرك وبيتك يحترق.

بلدي أولًا، ليست خيانة.

الخيانة الحقيقية هي أن تترك وطنك يغرق، بينما تحاضر في الفضيلة، وتُزايد بشعارات لا تطلق رصاصة ولا تُنقذ إنسانًا.

إن كنتم صادقين في نصرة فلسطين، ففلسطين الآن بأمسّ الحاجة إليكم من أي وقت آخر.

كفّوا عن الخطابات والتغريدات، وكونوا قولًا وفعلًا ولو لمرة واحدة، لا كما عودتمونا أنتم وساستكم، على الكلام فقط.

جيشكم الذي تتفاخرون به يمتلك من الطائرات والقطع البحرية ما يكفي ليصل فلسطين دون أن ينتظر “فتح الحدود” من أحد، ويمتلك أيضًا صواريخ قادرة على الوصول إلى أي نقطة في فلسطين دون الحاجة لتحريك جيوش أو فتح حدود.

الميدان يا حميدان، والله يوفقكم وينصركم، ونحن سندعو لكم قيامًا وقعودًا.

وإذا ما عندكم الموقع أو ما تعرفون الطريق لا أنتم ولا جيشكم، بلغوني، أرسل لكم العنوان من G o o g l e M a p s .

✦ ✦ ✦