❖ وهم الحواس في الإلحاد، الحقيقة أوسع مما يُرى.

📅 13 مايو 2025

كثيرون ممن ينكرون وجود الله أو عوالم الغيب، يلوذون بحجة ظاهرها عقلانية: “لا أؤمن إلّا بما أراه وألمسه وأدركه بحواسي”. ويزعمون أن موقفهم علمي بحت.

ولكن لو نظرنا بعمق، لاكتشفنا أن هذا الموقف نفسه لا يقوم على منطق صلب، بل ينطوي على وهم خفي: وهم أن الحواس البشرية المحدودة قادرة على الإحاطة بكامل الوجود.

إن الحواس الخمس أدوات إدراك قاصرة. لا تدرك كل ما هو موجود في الكون:

لا ترى العين البشرية الأشعة فوق البنفسجية ولا تحت الحمراء، مع أنها تملأ الفضاء.

لا تلمس اليد الجاذبية، ولكننا نحيا تحت سلطانها بلا انقطاع.

لا تسمع الأذن الذبذبات ذات الترددات العالية جدًا أو المنخفضة جدًا، رغم أنها تحيط بنا.

فلو كان الواقع محصورًا بما تدركه الحواس فقط، لكان أغلب الكون مجهولًا ومعدومًا بالنسبة للإنسان!

وحتى العقل نفسه (الذي هو أداة التفكير والإدراك) لا تراه العين ولا تلمسه اليد، فهل يعني هذا أنه وهم؟ الحقيقة أن الوهم الأكبر ليس في الإيمان بالغيب، بل في الظن أن ما تقع عليه الحواس هو وحده الحقيقة الكاملة. إن هذا الظن يحبس الإنسان في زنزانة الجسد، ويجعله سجين بصره ولمسه وسمعه، عاجزًا عن رؤية ما وراء ذلك.

الكون أوسع، والحقيقة أعظم من أن تُختزل في إطار الحواس الخمس.

الإيمان بالله وعوالم الغيب ليس انصياعًا للجهل أو الوهم، بل هو امتداد طبيعي للمنهج العقلي السليم.

نرى الأثر فندرك وجود المؤثر.

نرى الحكمة والنظام فندرك أن هناك مدبرًا حكيمًا وراءها.

ندرك أن حدود وعينا ليست نهاية الوجود، بل بداية البحث عنه.

الله عز وجل، وإن غاب عن أنظارنا، فإن أثره ظاهر في كل شيء:

في انتظام القوانين الكونية، في روعة النظام البيئي، في انسجام مكونات الحياة، وفي الشعور الفطري الذي يسكن القلب ويبحث عن معنى وغاية.

أيها الإنسان، قف مع نفسك لحظةً، واسألها بصدق:

هل أنت مجرد عين ترى وأذن تسمع ويد تلمس؟

أم أن فيك عقلًا يدرك، وروحًا تتوق، وقلبًا يبحث عن المعنى؟

لو كنت تحصر الحقيقة فيما تدركه حواسك، فكيف تؤمن بمشاعرك وعقلك وإرادتك؟

هل رأيت يومًا فكرك؟ هل لمست حبك أو ألمك الداخلي؟ ومع ذلك تؤمن بوجودها لأنها تترك أثرًا حقيقيًا في حياتك. كذلك الإيمان بالله: ترى أثره وإن لم تره، تدركه بعقلك وقلبك، وإن لم تمسكه بيدك.

الحقيقة أوسع من أن تحيط بها الأعين، وأعظم من أن تقيّدها الحواس.

لا تجعل من قصور حواسك ميزانًا لوجود الله، ولا تجعل من عجزك عن إدراك الغيب ذريعة لإنكار الحقيقة الكبرى.

فأعظم ما في الإنسان هو أنه قادر على الإيمان بما هو أوسع من الحواس: بعقله، بروحه، ببصيرته.

إن رفض الإيمان بحجة أن الله غيبٌ لا تراه العين هو قمة السذاجة العلمية والفلسفية.

الغيب لا ينفي وجوده أنه غائب عن الحواس، بل العجز عن إدراكه هو دليل على محدوديتنا نحن لا على نقص الحقيقة.

الإيمان بالله ليس قفزًا في الظلام، بل هو استبصار بنور العقل والقلب معًا.

فلا تحصر نفسك في سجن الحواس، ولا تقنع بالوهم الذي يحرمك من رؤية الوجود الكامل.

الخلاصة:

الإلحاد الذي يعتمد على الحواس فقط هو وهم كبير ينبع من فهم قاصر لطبيعة الوجود.

الكون أوسع بكثير مما تدركه حواسنا، والحقيقة لا تنحصر فيما نراه أو نلمسه.

الإيمان بالله ليس إنكارًا للعقل، بل هو ذروة العقلانية، حيث يدرك الإنسان أن هناك عوالم تتجاوز حواسه المحدودة.

الحواس مدخل للمعرفة، لكنها ليست نهايتها.

✦ ✦ ✦