منذ الأزل، والإنسان يسعى لنيل رضا الآخرين، ظنًا منه أن ذلك سيمنحه القبول الاجتماعي والاستقرار النفسي.
غير أن هذه المحاولة، مهما بُذلت فيها الجهود، تظل غاية مستحيلة.
فإرضاء الناس جميعًا ضرب من الوهم، لأن تأييدهم لك غالبًا ما يكون مشروطًا بمدى تطابق آرائك مع آرائهم، لا بحقيقتك أو جوهرك.
من يؤيدك اليوم، قد يفعل ذلك لأنه يرى أنك لا تزال متوافقًا معه في الأفكار والقيم، لكن ماذا لو حدث العكس؟ ماذا لو عبّرت عن رأي مختلف أو خالفت قناعاته في مسألة ما؟ عندها ستنكشف الحقيقة، وسيتحول البعض من داعمين إلى مهاجمين، وستظهر نزعاتهم الأيديولوجية وتعصبهم الذي لم يكن واضحًا من قبل.
ستدرك أن كثيرًا ممن كانوا يصفقون لك، لم يكونوا يرونك كفرد مستقل، بل كنسخة أخرى منهم، وما إن تختلف عنهم حتى تصبح في نظرهم خصمًا.
فاستقلال الرأي أهم من رضا الآخرين، لست مضطرًا إلى السير وفق رغبات الجميع أو مراعاة مشاعرهم على حساب قناعاتك.
فالناس بطبيعتهم متقلّبون، ومن الخطأ أن تجعل قبولهم لك معيارًا لتقييم ذاتك.
بل يجب أن يكون معيارك الحقيقي هو اتِّساقك مع قيمك ومبادئك، حتى لو أثار ذلك استياء البعض.
لا تخشَ الغضب، فهو لحظة كاشفة، حين تختلف مع الآخرين، قد تجدهم يهاجمونك بشدة، لا لأن رأيك خاطئ بالضرورة، بل لأنك كسرت لديهم صورة مثالية كانوا قد رسموها عنك.
لا تأخذ غضبهم على محمل شخصي، بل انظر إليه كاختبار لكشف حقيقتهم.
فمن يحترمك حقًا، سيحترم اختلافك، أما من يجعل موافقتك له شرطًا لعلاقتكم، فهو لم يكن معك من الأساس.
كن ذاتك ولا تخشَ العزلة، لا تجعل رضا الناس هدفك، بل اجعل الصدق مع نفسك ومبادئك هو الأساس.
بعض العلاقات ستتغير، وبعض الأشخاص سيبتعدون، لكنك ستكسب أهم شيء: راحة البال والقدرة على التعبير بحرية دون الخوف من تقلبات الآخرين.
الخلاصة:
السعي لإرضاء الآخرين هو طريق مسدود يؤدي إلى فقدان الذات وتشتت الهوية.
الاستقلالية الفكرية والتمسك بالمبادئ الشخصية هما الطريق الحقيقي إلى السلام الداخلي والتحرر النفسي.
عندما تتوقف عن جعل رضا الآخرين هدفًا رئيسيًا، تكتشف قيمتك الحقيقية وتحرر طاقتك الإبداعية.
تذكر دائمًا أن من يحترمك لذاتك ويقدر اختلافك هو الصديق الحقيقي، أما من يطلب منك التخلي عن مبادئك لإرضائه، فهو لا يستحق وقتك ولا اهتمامك.