❖ ازدواجية الضمير.

📅 13 مايو 2025

في عالم يزعم أنه قائم على العدالة والمساواة، نجد ظاهرة خطيرة تتسلل إلى مواقف الأفراد والمجتمعات، بل وحتى إلى الإعلام والسياسة، وهي “ازدواجية الضمير أو الضمير الانتقائي” هذا الضمير ليس مطلقًا في مبادئه، بل يستيقظ عندما يتوافق الحدث مع تحيزاته، وينام حين لا يتماشى مع مصالحه أو رؤيته للعالم.

ازدواجية الضمير، هو ذلك الشعور الإنساني الذي يظهر فقط عندما يكون الضحية من “الفئة التي نتعاطف معها”، أو عندما يكون الجاني من “الفئة التي نكرهها”، لكنه يختفي إذا انعكست الأدوار. بكلمات أخرى، هو معيار مزدوج في تقييم المآسي والجرائم، حيث تُحدد المواقف بناءً على هوية الفاعل والمفعول به، وليس بناءً على المبدأ الأخلاقي ذاته.

عندما يُقتل إنسان من مجموعة عرقية أو دينية معينة، يثور العالم غضبًا، لكن عندما يُقتل شخص من مجموعة أخرى، يُنظر إلى الحادثة ببرود أو حتى يتم تبريرها.

نجد بعض الدول أو الأفراد يدافعون بشراسة عن حقوق الإنسان عندما تكون الدولة المعتدية خصمًا سياسيًا لهم، لكنهم يبررون الانتهاكات نفسها إذا كان الجاني حليفًا لهم.

هناك من يدافع عن حرية التعبير عندما يتعلق الأمر برأيه، لكنه يسعى إلى قمع أي رأي مخالف تحت حجج مختلفة مثل “الأمن القومي” أو “احترام المقدسات”.

تم شجب الفساد والديكتاتورية في دولة معينة، لكن يتم التغاضي عنهما في دولة أخرى فقط لأن النظام الحاكم هناك يتوافق مع المصالح الشخصية أو الأيديولوجية للمنتقدين.

فالبشر بطبيعتهم يميلون إلى دعم من يشبههم في الفكر أو الهوية، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى رؤية مشوهة للواقع. وسائل الإعلام مثلًا، تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الضمير الانتقائي عبر انتقاء الأخبار التي تعرضها، وكيفية تقديمها، واللغة المستخدمة في توصيف الضحايا والجناة.

القوى الكبرى تستخدم الضمير الانتقائي كسلاح سياسي، حيث يتم توظيف حقوق الإنسان والديمقراطية كأدوات ضغط، بينما يتم غض الطرف عن الانتهاكات عندما تخدم مصالحها.

ولتجاوز كل هذا، يجب أن يسأل الإنسان نفسه: هل موقفي سيكون نفسه لو كان الضحية أو الجاني من فئة أخرى؟ هل أحكم بناءً على المبادئ أم على الهويات؟

بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد قد يكون متحيزًا، يجب البحث في وجهات نظر مختلفة للوصول إلى صورة أكثر حيادية. ويجب أن يكون موقف الإنسان ثابتًا تجاه القضايا الأخلاقية، بغض النظر عن هوية الفاعل أو الضحية.

فازدواجية الضمير هو أحد أخطر أمراض المجتمعات الحديثة، لأنه يجعل من العدالة مجرد أداة يتم استخدامها حسب الهوى، وليس كمبدأ إنساني ثابت. إذا أردنا عالمًا أكثر عدلًا وإنصافًا، فعلينا أن نتخلى عن هذه الازدواجية، وأن نكون صادقين مع أنفسنا قبل أن نحاكم الآخرين.

الخلاصة:

ازدواجية الضمير هو أحد أخطر أمراض المجتمعات الحديثة، لأنه يجعل من العدالة مجرد أداة يتم استخدامها حسب الهوى، وليس كمبدأ إنساني ثابت.

إذا أردنا عالمًا أكثر عدلًا وإنصافًا، فعلينا أن نتخلى عن هذه الازدواجية، وأن نكون صادقين مع أنفسنا قبل أن نحاكم الآخرين.

العدالة الحقيقية تتطلب منا أن نكون متسقين في مبادئنا، وأن نرفض المعايير المزدوجة التي تهدم أسس الأخلاق والإنصاف في المجتمع.

✦ ✦ ✦