❖ الخمر وحكمه.

📅 27 مايو 2025

هل الخمر محرم؟

هل الاجتناب يعني التحريم؟

هل يصل إلى درجة التحريم بما أنه إثم؟

مفهوم الإجتناب:

عند دخولك إلى مدينة كبرى، تجد لافتة مكتوب عليها عبارتين:

الأولى: لو أكملت مسارك بشكل مستقيم ستدخل إلى وسط المدينة.

الثانية: لو انعطفت يمينًا، ستجد طريقًا جانبيًا يجنبك الدخول إلى وسط المدينة.

لك حرية الاختيار، إذا سلكت الطريق الجانبي، ستتجنب الكثير من المشاكل بدخولك إلى وسط المدينة، كتجنب إشارات المرور والازدحام والشرطة والمطبات ووو...الخ.

لكن هذا لا يعني أن الدخول إلى وسط المدينة خطر أو ممنوع قانونيًّا، ولكن إذا قررت الدخول إلى وسط المدينة فعليك تحمل المسؤولية.

أما من الناحية الشرعية:

الاجتناب درجة مختلفة عن التحريم، وتكون في أمر مذموم وفي أحيان يبلغ درجة المنكر "مثل قول الزور" وهي لا تعني أيضاً أن الخمر أمر محمود بالمطلق.

أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾النساء [31].

فهل الخمر من كبائر ما نُهينا عنه؟

لا أعتقد ذلك وفق الآيات، فلا يمكن أن نضع الخمر بجانب أكل أموال الناس بالباطل، لكن إدمان الخمر وسوء استخدامه قد يؤدي بصاحب النفس المائلة، إلى الفجور، وقد يرتكب من المظالم ما هو أشنع من قول الزور عند شربه للخمر.

هل الخمر أمر سيء؟

في الغالب، نعم، إذا نظرنا إلى المجتمعات المتعارف فيها شرب الخمر، نجد البعض يتحول إلى بهيمة هائجة عند شربه له، والبعض يصبح إنسانًا شاعريًا، والآخر يسرد كل تاريخه الفاضح، مع أنه في صباح نفس اليوم، كان يحاضر فريق عمله في الأخلاق وضبط النفس.

في تلك المجتمعات، نُصادف قلة من الناس لا يتبعون أي مذهب أو تعاليم في كتاب يمنعهم من الخمر، لكنهم يختارون اجتنابها طلبًا لسلامة البدن والعقل.

لذلك مسألة الخمر أراها تعتمد على الشخص نفسه وقابليته لاستغلالها بالدرجة الأولى، لا أقول أنها حلال بل هي أقرب للحرام ولكن لا يمكن أن أضعها في سلة واحدة مع الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله وأكل أموال اليتامى ظلماً والسرقة وعبادة الطاغوت.

شارب الخمر أعتقد أنه مُسائل أمام الله بجريرة ما يرتكب من أمور عند شربه، فلو سكر واعتدى بالضرب أو قتل أو سرق، فلا أعتقد أن سكرته تعذره بأي شكل من الأشكال عن أخذ جزاء ما ارتكب أمام الله، لذا فالأمر خطير جداً.

في المقابل إن شرب ولم يسكر، وكان واعي فيما يقول، فلا مشكلة لديه إطلاقاً في أن يقيم الصلاة.

هنا الضابط ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ النساء [43].

لكن ما معنى سُكارى وما علاقتها بالخمر؟

سكارى تعني حالة من اللا وعي وعدم إدراك ما يفعل أو ما يقول، وقد يكون ذلك أيضاً بسبب التعب الجسدي بسبب إرهاق العمل.

فالشخص الذي في حالة سُكر، هو شخص مشوش الأفكار وغير مُدرك لما يفعل ويقول.

لهذا، أمر الله الإنسان بعدم الصلاة في هذه الحالة حتى يذهب عنه سُكْرُه ويصبح خالي الذهن ومن ثم يصلي.

يقول تعالى: ﴿وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ﴾ الحج [2].

يعطي لنا الله في هذه الآية توضيحاً لكلمة سُكارى وهو عدم الإدراك واللا وعي من هول الموقف عند قيام الساعة. فالسُكْر لا يقتصر على الخمر فقط، فكل ما يُذهِب العقل هو مُسكِر.

أما اعتبار الخمر محرّم لأنه من الفواحش، وأن الله حرّم الفواحش ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ الأعراف [33].

فعلينا أولاً أن نراجع الآيات التي ذكر الله فيها "إثم" ونقابلها بالآيات التي جاءت فيها مُعرّفة. (الإثم)

سأعطي مثالاً:

1- ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ المائدة [63].

فهنا الإثم "قول" لا علاقة له بالخمر.

2- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ الحجرات [12].

في هذه الآية ورد لفظ "إثم" غير مُعرّف.

فهل يصح أن نقول أن بعض الظن محرم؟

لا أعتقد.

الأصح أن نقول هو إثم كما قالت الآية، أي معناه أنه شيء مُضر للفرد والمجتمع.

وكذلك الخمر فيها من الضرر ما فيها (إثم كبير).

هل هو من كبائر الإثم؟

قد يكون ذلك في حالة الإدمان وإهلاك النفس.

فالخمر هو كل ما يخامر عقل الإنسان أو يغلق منافذ الإدراك عنه.

الله يشفي كل مُبتلى بإدمان هذا المنكر ويعوضه فيما يغنيه عن إضرار هذا الابتلاء.

✦ ✦ ✦