كثيرة هي التناقضات والمخالفات التي في التراث الديني، وهذه التناقضات لا تخفى عن أحد إلّا الجاهل أو المعاند.
ومن جملة هذه المخالفات ما يُعرف بعلم الجرح والتعديل.
هذا "العلم" لا وجود له في كتاب الله لا من قريب ولا من بعيد، بل يناقضه تماماً، لكن رجال الدين قاموا باختراعه والذي من خلاله صنّفوا الأشخاص.
يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبينا محمد:
﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا۟ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ التوبة [101]
هذه الآية موجهة لرسول الله الموحى إليه من رب العالمين، يخبره بها الله أنك مهما حاولت فلن تعلم المنافق من غيره، بل هذا الشي لا أحد يعلمه غيري (الله) .
كن رجال الدين لهم رأي آخر، فقد علِموا المنافق من غير المنافق، وعلموا الصالح من الطالح، وعلموا الكذاب والمدلس والمُخرّف والمنحرف، وعلموا ما لم يعلمه الرسول.
هذا "العلم" قائم على تصنيف الأشخاص من خلال شهادات أشخاص آخرين، فهو علم ليس له أي بحوث ومناهج علمية. هو يعتمد على شهادات أشخاص تمت تزكيتهم من قِبَل أشخاص آخرين لكي يطّلعوا على نوايا غيرهم بطريقة نسبية وظنّية، والتي من خلال آرائهم التي تحمل الخطأ والصواب، تم تصنيف الأشخاص، فهل دين الله يؤخذ بالظن!؟
يقول تعالى: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ ۖ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا﴾ النجم [28]
علم قائم على السماع فقط.
فلان سمع عن فلان أنه من أهل الصلاح.
فلان سمع عن فلان أنه كذّاب.
فُلان قال عن فلان أنه ثقة (وقد يكون داخلياً منافق)
عداك على أن الغيبة والنميمة تُخالف ما جاء في كتاب الله، كما في قوله تعالى ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ الحجرات [12]
فكيف تخالفون كلام الله وترمون بآياته وراء ظهوركم، وتصنعون علماً يخالف كتاب الله في كل مضامينه، وجعلتم منه ديناً، وأن من ينكره يُعتبر بنظركم كافر ومرتد وزنديق وملحد وجب قتله!
والأنكى من هذا هو: أن القائمين على هذا "العلم" يستقصون أخبار وسير الرواة من أشخاص محددين، هم من يختارونهم وليس أي أحد.
فالسُني لا يقبل بحديث يكون أحد رواته شيعي أو حتى "متهم" أنه شيعي، والعكس صحيح أيضاً.
ثم من الذي أعطاهم الحق ومنحهم وكالة وجعلهم نوّاب عن رب العالمين لتقصّي أخبار الناس وتدوين أحاديث "ظنية" معتمدين بذلك على شهادات وتزكيات بشر معرّضين للخطأ والنسيان، ونسب هذه الأحاديث لله ولرسوله وإلصاقها بالدين وفرضها على المسلمين تحت الأمر الواقع!؟
الغاية من هذا العلم المصطنع والذي ما أنزل الله به من سلطان، هو توثيق أحاديث رسول الله.
لكن المشكلة التي وقعوا بها، أنه وبإعترافهم بأنه على رأس كل مئة عام يأتي من يجدد هذا الدين (يقصدون السُنّة النبوية) ويقوم بعمل "تحديث" له وكأنه نسخة ios وتحتاج إلى تحديثات بين الحين والآخر!
فيقوم هذا الشخص والذي يطلقون عليه لقب "الإمام المجدد" فيُضعّف الصحيح ويُصحّح الضعيف.
فما كان صحيحاً في السابق وسار عليه جميع المسلمين على أنه صحيح، قد يُصبح ضعيفاً لاحقاً، حسب ما يراه الإمام المجدد!
ولنا في الشيخ المجدد أسد السُنّة (كما يُلقّبونه) محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، أكبر مثال.
فقام هذا الإمام الجليل بمراجعة كُتب السُنن الأربعة:
1- سُنن أبي داوود.
2- سُنن ابن ماجة.
3- سُنن النسائي.
4- سُنن الترمذي.
ملاحظة هامشية: أصحاب هذه الكتب الأربعة بمن فيهم أيضاً البخاري ومسلم أصحاب "الصحيحين" ليسوا عرباً، وجميعهم من شرق آسيا (صدفة أن يكونوا جميعهم من منطقة واحدة)!
وحتى لا يصطاد أحد بالماء العكر ويظنني أنتقص من أي عِرق غير عربي، فاللبيب من الإشارة يفهم.
لنُكمل:
فقام الشيخ الألباني بوضع عناوين جديدة لهذه الكتب الأربعة آنفة الذكر، بعد أن قام مشكوراً بتنقيحها ووضع لنا العناوين التالية:
1- صحيح أبي داوود.
2- ضعيف أبي داوود.
3- صحيح ابن ماجة.
4- ضعيف ابن ماجة.
5- صحيح النسائي.
6- ضعيف النسائي.
7- صحيح الترمذي.
8- صحيح الترمذي.
بالإضافة إلى تنقيح كتاب: الترغيب والترهيب، للمنذري، فخرج علينا أيضاً بعنوانين وهما:
1- صحيح الترغيب والترهيب.
2- ضعيف الترغيب والترهيب.
بالإضافة إلى تنقيح كتاب: الجامع الصغير، للسيوطي، فخرج علينا أيضاً بعنوانين وهما:
1- صحيح الجامع الصغير "وزياداته".
2- ضعيف الجامع الصغير "وزياداته".
ولا نزال في خِضَمّ التنقيح "وتجديد الدين" وبالتأكيد لا بد لنا أن نذكر كتاب: الأدب المفرد، للبخاري، فقام الشيخ الألباني مشكوراً أيضاً، بتنقيحه على كتابين، فخرج علينا بعنوانين:
1- صحيح الأدب المفرد.
2- ضعيف الأدب المفرد.
لم يكتفِ الألباني عند هذا الحد، فقام بطريقه بوضع سلسلة جديدة أطلق عليها إسم:
1- سلسلة الأحاديث الصحيحة.
2- سلسلة الأحاديث الضعيفة.
والتي تبلغ في مجموعها 12 مجلد!
وكأن الأمة الإسلامية لا تعاني من أي أزمات سوى أزمة نقصان كتب الحديث!
الخلاصة:
علم الجرح والتعديل يمثل مشكلة منهجية كبيرة في الفكر الإسلامي التقليدي، فهو قائم على أسس ظنية وتقديرات شخصية تتعارض مع ما ورد في القرآن الكريم. هذا العلم اخترعه رجال الدين لتصنيف الأشخاص وتقييم رواياتهم، متناسين أن الله وحده هو المطلع على النوايا والضمائر.
المشكلة تتعمق عندما يصبح هذا العلم أداة لتجديد الدين وتغيير الأحكام بشكل مستمر، مما يخلق فجوة بين المسلمين وكتابهم المقدس، ويحول انتباههم عن القضايا الحقيقية التي تواجه الأمة.