❖ أنا والعندليب.

📅 27 مايو 2025
صورة حليم

عندما دخلت العشرين من عمري، كنت مولعاً بالعندليب عبدالحليم حافظ.

أعشقه عشقاً جنونياً وصل إلى حد التعصّب له، اشتريت جميع أغانيه وحفظتها عن ظهر قلب، ولا زلت أحتفظ بتلك الأشرطة حتى اليوم.

اشتريت كتاباً يتحدث عن حياته الشخصية، ومن ضمن ما قرأته أنه لا يشرب الخمور ولا يُدخّن، وكان يقوم بإحضار أحد القُرّاء ليقرأ له القرآن في بيته كل يوم جمعة، أُعجبت كثيراً بهذا الكلام. (لعلّ وعسى أن يشفع له هذا العمل يوم القيامة) .

فنقلت هذا الكلام إلى أحد المقربين مني والذي كان ينتقد حُبي الشديد للعندليب.

فقال لي بسخرية وشماتة: لن ينفعه كل هذا العمل، هو في النار لأن الغناء حرام، وسيبقى يحمل أوزار كل من يسمع أغانية حتى تقوم الساعة.

قلت في نفسي: لماذا يارب! لِمَ كل هذه القسوة؟

لماذا رزقته صوتاً جميلاً طالما أنك حرّمت الغناء؟

بدأ خوفي من الله يزداد.

صرت أعبده خوفاً منه وليس حباً فيه.

مع أن الله يُعبد بالمحبة ولا يُعبد بالخوف والترهيب.

فلا معنى للعبادة إذا كانت قائمة على الخوف.

كنت أسمع محاضرات لأحد رجال الدين وهو يستهزئ بالعندليب ويتوعده (ضمنيًّا) بنار جهنم لمجرد أنه غنّى.

كنت أشاهد الفيديوهات والتي كان عنوانها: الأفاعي تخرج من قبر عبدالحليم حافظ.

ازدادت نقمتي.

كنت أتسائل لِمَ كل هذا؟

ما الجريمة التي ارتكبها هذا الانسان البسيط ليُعذب بكل انواع العذاب؟

ألهذه الدرجة إلهُنا قاسي؟

هو لم يقتل أحدا، ولم يحقد على أحد، ولم يكره أحد، ولم يُحرّض على أحد.

لم يزرع العنصرية ولا الطائفية، لم يحمل ولم يتبنى أفكاراً اجرامية.

كانت رسالته هي رسالة سلام ومحبة، أوصلها لنا بصوته العذب.

بينما من يقتل ويُفجّر ويُحرض على الطائفية والعنصرية يتنبّأون له في جنات النعيم!

ما هذا المعادلة!

مضت السنوات ونبذت كل ما تعلمته وراء ظهري، وانكببت على كتاب الله كأني اقرأه لأول مرة.

تفحصت كل كلمة فيه، وبحثت في كل آية فيه، ولا زلت وسأزال أبحث.

رميت بكل ما تعلمته من رجال الدين وضربت به عرض الحائط.

وجدت أن الله بريء من كل هذا العنف.

وجدت أني أعبد إلهاً جميلاً ويحب الجمال.

وجدت أن الله خلق الدنيا ونعميها وملذاتها لأجلنا.

أحببت ربي كثيراً وازداد حبي له.

صرت أعبده حباً به وليس خوفاً منه.

وجدت أن الله لم يُحرّم علينا ما كان يدّعيه رجال الدين.

اليقية.

وجدت أن رجال الدين اخترعوا مصدر آخر للدين أطلقوا عليه اسم "السُنّة النبوية" وجعلوه أصل الدين والقاضي على كتاب الله!

كتبوه على مقاسهم وبما يتوافق مع أفكارهم.

ولأنهم يكرهون الحياة (ماعدا النساء فيها) فإنهم:

حرّموا الغناء.

حرّموا الموسيقى.

حرّموا الفن.

حرموا الرسم.

حرّموا التصوير.

حرموا النحت.

حرموا الرقص.

حرموا الابداع.

حرموا كل ما هو جميل.

وفي المقابل:

أحلّوا قطع الرؤوس.

أحلّوا قتل تارك الصلاة.

أحلّوا رجم الزاني.

أحلوا قطع يد السارق.

أحلّوا ارضاع الكبير.

أحلوا ضرب الزوجة.

أحلّوا ضرب الطفل من أجل الصلاة.

أحلّوا شرب بول البعير.

اخترعوا عذاباً للقبر.

قتلوا فينا الحياة.

وأحلّوا كل ما هو عنيف وإجرامي.

الله بريء من كل تلك المحرّمات.

الله بريء من كل تلك المحلّلات.

الله بريء من كل ما قالوه عنه.

لا زلت أعشق العندليب وازداد عشقي لصوته ولأصحاب الزمن الجميل:

عبدالحليم، أم كلثوم، وردة، ياس خضر، ميادة، طلاح مداح، عبدالوهاب، فيروز، وغيرهم الكثير.

رحلة الإنسان مع الإيمان يجب أن تقوم على الحب والجمال، لا على الخوف والتهديد.

الله خلق الحياة بمتعها وجمالها لنا، ومن واجبنا أن نعيشها بفرح وإبداع.

الفنون والغناء والجمال هي هدايا من الله، وليست محرمات كما يدعي خفافيش الظلام.

يجب أن نعيد اكتشاف ديننا من خلال القرآن الكريم، بعيداً عن الإضافات البشرية التي شوّهت صورة الإله الرحيم الجميل.

أنهيتي مقالتي هذه وأنا أُتمتم بقارئة الفنجان…

✦ ✦ ✦