❖ القرآن أم التراث؟

📅 26 مايو 2025

القرآن أم التراث؟ من الذي نزن به الأمور؟

الفرق بين من يتمسّك بالقرآن ومن يتمسّك بالتراث، ليس مجرّد خلاف في المرجعية أو الفهم، بل هو اختلاف في البنية العقلية، وفي القاعدة التي يُبنى عليها كل فكر وكل استنتاج.

القرآن الكريم يصف نفسه بأنه “تبيانًا لكل شيء”، وأنه “لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين”، بينما التراث هو نتاج بشري، اجتهادات نُقلت عبر الأجيال، فيها الصواب وفيها الخطأ، فيها ما يُوافق كتاب الله، وفيها ما يُخالفه أو يُضيف عليه.

فالميزان هو الفارق الحاسم، الإنسان الذي يتخذ القرآن ميزانه الأول، حين يُعرض عليه أي موضوع، يرجع إلى كتاب الله، فإن وجد له أصلاً، قبله، وإن لم يجد، توقف أو ردَّه، لا يُقدم أي مصدر على كلام الله، ولا يزن القرآن بغيره، بل يجعل القرآن هو الميزان الذي توزن به الأقوال والمرويات والمذاهب جميعًا.

أما من يتخذ التراث مرجعًا أوليًا، فالعكس هو الذي يحدث، يقيس القرآن على ما ورد في كتب الفقه والحديث والسير، فإن خالف القرآن ما توارثه، فسّر الآيات بما يُلائم الموروث، أو تجاهلها تمامًا، وربما شكك في كفاية القرآن نفسه، وادّعى أنه لا يكفي أو غير مفصَّل، وهو بذلك، دون أن يشعر، يطعن في القرآن ذاته.

خذ مثالًا على ذلك: موضوع "نِصاب الزكاة" من يرجع إلى القرآن، سيلاحظ أن كتاب الله لم يحدد مقدارًا معينًا للمال الذي يجب فيه الزكاة، لا في الذهب ولا في الفضة ولا في الأنعام، (بغض النظر عن مفهوم كلمة الزكاة) لا تجد في القرآن لفظ “النِصاب” أصلًا.

من جعل القرآن ميزانه، سيقول: إذا لم يرد النص، فلا يجوز لنا إلزام الناس به.

أما من جعل التراث ميزانه، فإذا لم يجد في القرآن نصًّا عن “النِصاب” لا يشكك في صحة التراث، بل يُسارع إلى اتهام القرآن بالنقص أو الإيجاز المُخل، ويبدأ في تبرير غياب النص.

وهذا الموضوع مهم جدًا، لأننا حين نختلف في “الميزان”، سنختلف في كل شيء بعده.

من يزن بالقرآن سيرى الأمور بعين مختلفة كليًا عمّن يزن بالمنقول.

الأول يبدأ من النص الإلهي وينتهي برأيه.

الثاني يبدأ من الرأي أو الموروث ثم يُلوي أعناق النصوص لتتوافق معه.

ولهذا، فإن أعظم إصلاح فكري يمكن أن يقوم به الإنسان هو أن يُراجع ميزانه، ويُحدد: هل القرآن هو الأصل الذي يُقاس عليه كل شيء؟ أم أنه تابع يُؤوّل ويُفسّر بما يتماشى مع ما ورثناه من السابقين؟

الجواب على هذا السؤال يُحدد منهجك كله.

لا يمكن بناء فهم صحيح للإسلام دون جعل القرآن هو الأساس والميزان الأول، فمن أراد أن يبني فهمه على أساس متين فعليه أن يبدأ بكتاب الله قبل كل شيء، ويجعله المقياس الذي يزن به كل ما عداه.

✦ ✦ ✦
حلقة مرئية عن الموضوع